واقعنا الرياضي المأزوم.. “مكانك راوح”
“ما في شي ماشي”، عبارة يردّدها كل مواطن لبناني عندما يقابل صديقا له. وفعلًا، “كل شي واقف” ويتبع المحسوبية وأهواء الزعيم، حتى في الرياضة المحلية قد لا تجد ما يسرّك أو يثلج صدرك.
لطالما كانت الرياضة جزءًا من المنظومة الحاكمة، فوزارة الشباب والرياضة في غيابٍ تام عن الواقع الذي يدور حولنا من أحداث وبطولات، وغالبًا ما تكون مشاركات البعثات الرياضية من باب “البرستيج” و”شمّ الهوا”، اذ تحصل الاستعدادات على عجل و”بما تيسّر”، وعندها تكون النتائج مخزية وليست على قدر الطموحات.
الدعم المالي من الدولة شبه غائب، علمًا أن هذا القطاع قد يحصل على أموال ومساعدات، لكننا جميعنا نعلم “علم اليقين” أين تذهب تلك الأموال. تذهب للمنتفعين والأزلام، في حين تعاني الرياضة من الاسقام والآلام، و”ليذهب كل رياضي إلى الجحيم”، إذ يرى البعض أن هناك أمور أولى من الرياضة، وعلى قولة العبارة الشهيرة في بلادنا “شو الرياضة رح تطعميك خبز؟”.
في البلاد المتحضّرة والمتقدمة، نعم الرياضة “بتطعمي خبز”، وتشتري الدور والقصور أيضًا، كون هذه الدول تستثمر في ابنائها منذ نعومة أضافرهم، لعلمها الفطري والبديهي أن البطل الذي تتم صناعته وصقل مواهبه منذ الصغر، قادر على أن يكون سفيرًا حقيقيًا عندما يكبر، بحصد الميداليات ورفع علم بلاده عاليًا بين الأمم، وهذا ما يحصل في عدد من البلدان، إذ باتت الرياضة صناعة وتجارة وتسويق على أعلى المستويات، حيث تدر الملايين على الكثير من الدول، حتى الفقيرة منها. فعلى سبيل المثال، الدول الإفريقية، كإثيوبيا وكينيا وغيرهما، التي برزت على صعيد ألعاب القوى، أو ما يُعرف بـ”أم الألعاب”، أخذت تصدّر العدائين إلى دول العالم بهدف الاستفادة المالية التي تجنيها من تصدير الرياضيين، لتُصرف هذه الأرباح والأموال في تطوير القطاعات الداخلية وتحفيز باقي الشباب ليحذوا حذو من سبقهم.
وفي هذا السياق، تُعتبر الرياضة ثقافة شعوب وحضارة أمم، وقد عُرفت منذ القدم لدى الإغريق والفراعنة والرومان وسواهم، ومورست على أرقى المستويات. وما تَقدّم الصين على الخارطة العالمية إلا من خلال أحد المفاتيح الموصلة، وهي الرياضة، حيث نافست الولايات المتحدة في السنوات القليلة الماضية في دورات الألعاب الأولمبية، لتحصد على إثرها الصين وبشكل كثيف الميداليات، ما جعلها مخوّلة لتصدير رياضيين لدول أخرى، خصوصًا في لعبة كرة الطاولة.
من هنا، يتّضح السبب خلف بحثنا عن رياضيين يعيشون في الخارج، منحدرين من أصول لبنانية عندما نقرر المشاركة في حدث خارجي ما، وذلك كي لا يُفضح مستوانا المحلي “الهزيل”. وبالتالي، فبعد انقضاء البطولة، يذهب كلّ في حال سبيله. وإذا ما أبلى هذا اللاعب البلاء الحسن، لا يتوانى المسؤول الطلب منه المشاركة في الاستحقاق المقبل، وطبعًا “من جيبه الخاص” بحجة عدم توفّر الدعم.
خلاصة القول، نحن بعيدون كل البعد عن عالم الاحتراف وعن فكرة تخريج أجيال رياضية يكون لها شأنها في هذا المجال، فالعمل كلّه ارتجالي أو “سلق بسلق”، والفساد يعشّش في هذا القطاع من رأسه حتى أخمصه، والمبادرات الفردية من بعض الشخصيات ما هي إلا “مسكّنات” تُنقذ سمعة الوطن بين الحين والآخر، إذ يستثمر بعض الميسورين في الرياضة من خلال شغفهم وحبهم بها، ولكن سرعان ما يكتشفون الواقع المرير وعالم “الأونطة” واللعب على طريقة “مرقلي تمرقلك”، بالاضافة الى واقع اتحاداتنا المتشابه لواقع البلد الذي يتحكم فيه الإقطاع والتوارث من الجد إلى الإبن وصولا للحفيد.
لذا، فلا كلام ينفع عن الرياضة إلا بعد أن يستقيم البلد بأكمله، اذ لا ازدهار ولا نمو في قطاعات الشباب قبل نهوض الدولة بكل مقوماتها. ولحين تحقيق هذا الأمر، من الأفضل أن نبقى في دائرة “الهواية” ولا نتكلم عن مؤسسات رياضية أو خصخصة في هذا القطاع.
سامر الحلبي